الأربعاء، ٣ ديسمبر ٢٠٠٨

فائق عبد الجليل.. عاشق الوطن ورجل «المعادلة الصعبة»

بسم الله الرحمن الرحيــم



أول شاعر قتيل في تاريخ الكويت






الكويت: عبد الله المحيسن

الغالية أم فارس «تحية.. محبة.. تقدير.. لك وللأولاد.. وأرجو أن تكونوا صامدين في الغربة.. مثلما أنا صامد هنا في الوطن اليوم الجمعة.. الوقت الساعة الرابعة فجرا.. المكان غرفة نومي.. وتحت ضوء الابجورة التي تلتحم برأسي باستمرار. لقد وعدتك أن أغادر الكويت الخميس.. ذهبت وجلست أتصفح أفكاري التي تتكاثر ثم تصبح فكرة واحدة.. وهي فكرة البقاء، كل أفكار الرحيل التي أتت إلي كانت مهزوزة وغير ثابتة وغير مستقرة إلا فكرة البقاء كانت هي الأكثر ثباتا... والأكثر قوة... فقد اكتشفت أن البقاء في الكويت يعطيني المناعة.. والقوة والصلابة، وبقائي هنا لا يعني أني غير محتاج لكم... أنا في أشد الحاجة لكم... الكويت بأمس الحاجة لي... قوموا بواجبكم الوطني في الغربة على أكمل وجه.. وقدموا ما تستطيعون تقديمه مع إخوانكم الكويتيين... حتى ساعة الفرج». كانت تلك هي كلماته الأخيرة التي شكلت منعطفا غيّر من ملامح خريطة الأمل في لقائه من جديد، حيث وجدت رسالته بعد تحرير بلاده من الغزو العراقي عام 1991 في مطبخ منزله حينما عثرت عليها زوجته (أم فارس) وكان فوقها قلم تقطعت عروقه بجانب كوب من الشاي لم يسعفه الوقت لشربه.
هو أول شاعر قتيل في تاريخ الكويت منذ استقلالها عام 1961 اسمه الحقيقي فائق محمد علي العياضي، وهو معروف بفائق عبد الجليل نسبة لخاله عبد الجليل الذي تولى رعايته منذ صغره، من مواليد الكويت 5 مايو 1948، عمل موظفا في بلدية الكويت. كانت تجربته الأولى مع الرسم حيث كان رساما ثم تحول الى الرسم بالكلمات وقام بإصدار ديوانه الأول «وسمية وسنابل الطفولة» في عام 1967، إذ إنها كانت أول محاولة شعرية توثق ماضي الكويت الحديث، فقد تميز بتناغم القصيدة والقصة وكان أسلوبه مزيجا بين العامية والفصحى، ويبرز في ذلك الديوان مدى تعلقه بالكويت القديم والماضي الجميل، حيث ذكريات طفولته. وعندما سئل كيف كان الشعر أول مخالفة صحيحة في حياته قال «في مجتمعنا يعتبر الاقتراب من كلمة مضيئة أو من الوتر أو من ميكروفون مخالفة.. وكنت منذ طفولتي أدرك أن دستور العائلة لا يسمح لي بأن أتعامل مع تلك الأشياء، وعندما تعاملت معها أدركت أنني خالفت قوانين بيتي ومجتمعي وأدركت بأن مخالفتي كانت صحيحة». كان فائق في منتصف الستينيات مع مجموعة من الشعراء والأدباء يلتقون دورياً في مقهى يدعى (هاواي) يقع على ضفة فهد السالم أحد شوارع الكويت الرئيسة منهم الأديب إسماعيل فهد إسماعيل وعبد الله المسعود ورسام الكاريكاتير الراحل ناجي العلي حيث كانوا يقومون في ذلك الوقت بقراءات مشتركة ويطلعون بعضهم بعضا على انتاجهم حيث ان فائق يعشق القراءة فهو قارئ نهم وكان يحترم الكتاب أشد احترام منذ صغره. ومن ثم قام بإصدار ديوانه الثاني عام 1977 بعنوان «سالفة صمتي» حيث يلتمس فيه بوضوح نضج الشاعر، ويعتبر فائق شاعرا مجددا ذا تجربة شعرية مميزة، وهو أيضا أول من كتب وقدم عملا مسرحيا للعرائس في الكويت من تأليفه وكان اسم المسرحية «أبو زيد بطل الرويد» لمخرجها أحمد خلوصي، وكان ذلك عام 1974 وكتبت مقالة بتلك المناسبة للصحافي وليد أبوبكر في جريدة الوطن الكويتية آنذاك بعنوان «مسرح العرائس في تجربة رائدة يقود فائق عبد الجليل إلى طريق جديدة».
ولم يقتصر على هذا فحسب بل إنه شارك بكتابة المسرحيات مع كبار المخرجين منهم المخرج الكبير سعد أردش والذي أخرج مسرحية «رسائل إلى قاضي أشبيلية» لألفريد فرج، حيث كتب لوحاتها الغنائية وقد تقلد منصب رئيس مجلس ادارة المسرح الكويتي عام 1981 وكتب أيضا عدة أوبريتات منها الوطني والاجتماعي منها الأوبريت الشهير «بساط الفقر» الذي قام ببطولته الفنان عبد الحسين عبد الرضا، ومارس أيضا كتابة شعر الأطفال في فترة السبعينيات ونشر أغلب تلك القصائد في مجلة «سعد» وهي مجلة كويتية خاصة بالأطفال وكان فائق يعتبر كتاباته للطفل هي هروبه من حاضره إلى ماضيه الجميل.
وقد كتب عن فائق البروفيسور الفرنسي سيمون جارجي الأستاذ في كلية الآداب جامعة جنيف وهو الذي ذكر الشاعر بدر شاكر السياب وآخرين في دراساته وأبحاثه التشريقية، أرخ يقول عن فائق في صحيفة «لوموند» الفرنسية عام 1970: «التصميم على عدم الانسلاخ من الأرض القديمة التي تتلوى في عروقها جذور حنين الشعراء وعواطفهم المشبوبة، هو أشد بروزا وتحسسا لدى أصغر شعراء الكويت فائق عبد الجليل الذي لم يتجاوز الحادية والعشرين من العمر بعد واسمه الحقيقي: فائق محمد العياضي، والذي طبعت له وزارة الإرشاد والأنباء الكويتية ديوانه المعروف بـ«وسمية وسنابل الطفولة» فرفضه للحضارة المادية المجلوبة من الغرب رفض حاسم لا رجعة فيه، وهو يعبر عنه في قول يتمثل به ويستنه كذلك قاعدة لحياته: «تبهرني صلابة الأبنية الجديدة... ولكنني أحب الصدق في كل جدار طيني قديم».
لم يعرف عنه الكثير سوى أنه شاعر له أغنيات مشهورة، حيث كانت حياته مغايرة تماما عما كتب عنه فهو الإنسان المثقف الراقي يمتلك لباقة في الحديث وحضورا مميزا وعلاقات اجتماعية واسعة والعاشق الذي كان في حالة حب دائمة والأب الحنون الذي كرس جل وقته بين أولاده وزوجته رفيقة دربه التي أخلص لها لآخر لحظات حياته، اشتهر في بداياته الفنية مع الفنان عبد المحسن المهنا في أغنية «مع ريح الهوى مسافر» وعدة أعمال مع فنانين آخرين لكن حدث نوع من التقارب في الحس والرؤية والثقافة مع عملاق الفن العربي محمد عبده فكان هو الأقرب انسجاما مع فائق فأتت أغنية «إبعاد» ثم «نسيتني» و«في الجو غيم» حتى «وهـم» و«المعازيم» فعبروا بهذه الروائع إلى حدود الإقليمية فوصلت أغانيهم لإسرائيل، إذ أتى بأغنية «إبعاد» التي غنيت عام 1975 صديق له فلسطيني من الضفة، حيث تغنى بها مطرب إسرائيلي، وبرغم ذلك لم يكن يستهوي هذا العبور لأنه من الذين ارتبطت أعمالهم بمحاولة توحيد الصف العربي من خلال ديوانه الفصيح عام 1984 «معجم الجراح» الذي مارس فيه أحلامه المتمثلة في الوطن العربي الواحد، حيث كان فائق يؤمن بأن الشعر العامي في كثير من أجزاء الوطن العربي ممكن أن يكون كبيرا أو عملاقا لو تخلى عن جوازه الإقليمي، لذلك كانت بداياته هي الإمساك بغصن قريب من غصن الفصحى وفعلا كان ديوانه الأول هو المحاولة الواضحة التي تؤكد ان العامية لو ثقفت وهذبت وأعدت من الممكن أن تثبت للجميع.. انها الابن الشرعي للفصحى وأنها بفعل الشاعر تكون طفلا عاميا يصعد درجات العامية الراقية ليصل إلى قمة الفصحى المبسطة. واستطاع فائق أن يطلق قصيدته العامية الحديثة المتطورة المثقفة خارج سرب القصيدة الاستهلاكية بكل جدارة محققا بذلك المعادلة الصعبة.
الشاعر القتيل فائق عبد الجليل الذي أسرته قوات الاحتلال العراقي في الثالث من يناير عام 1991 كان يعتبر أشهر أسير كويتي لدى صدام حسين على مدى خمسة عشر عاما من الأسر وكانت تهمته بأنه الرأس المدبر للمجموعة التي تنتج وتنشر أغنيات قصيرة تحرض على الصمود والمقاومة والفعل ضد الغزاة وكان هو من قام بكتابة ثماني عشرة أغنية قصيرة انتشرت عبر الكاسيت، نظمت المجموعة نسخها وتوزيعها ودوت في أنحاء الكويت المحتلة. والملحن القتيل عبد الله الراشد هو من قام بتلحينها فقد تحولت تلك الأغنيات إلى سلاح قوي أثار خيفة السلطة المحتلة وقلقها فراحت تفتش السيارات وتداهم البيوت ولم يكن معروفا من الشاعر أو الملحن.
وبقى هذا الشيء خفياً عن عامة الناس حتى بعد تحرير الكويت وذلك رغبة من وزارة الاعلام الكويتية خشية معرفة نظام صدام حسين وتأكيد التهمة على فائق ومن كان معه من المجموعة، ففي احدى قصائد الاحتلال وجه فائق رسالة لصدام حسين من خلال هذا المقطع البليغ الدلالة والاستشراف والمعنى: «يا غازي الديرة ومتآمر.... أنا الثابت وأنت العابر!» وبعد كل سنوات الغياب عن وطنه الذي اغترب عن ترابه تم العثور على رفاته مع مجموعة من الأسرى الكويتيين في احدى المقابر الجماعية في العراق بمنطقة قريبة من كربلاء، حيث تم إعدامه برصاصة غادرة بالرأس ليتم دفنه في مقبرة الصليبيخات ليحتضنه تراب وطنه، في 20 يوليو 2006، في تشييع رسمي حضره النائب الأول لرئيس الوزراء الكويتي ووزير الدفاع ووزير الداخلية وكبار الشخصيات وأهله وأصدقاؤه. فائق لم يكن شاعرا يمتلك إحساسا مرهفا ويجيد التعامل مع المفردة الشاعرية بالحياة وحسب، بل كان فنانا يعيش القلق والإبداع الدائم وهو من القلائل الذين ارتبط مصيرهم بإبداعاتهم بمزيج حب الأرض.






جريدة الشرق الأوسط الجمعـة 07 ذو القعـدة 1428 هـ 16 نوفمبر 2007 العدد 10580


مجموعة من قصائده أيام الأزمه و التي أعتقل بسببها


1


انتباه.. انتباه
.........................................الكويت مازالت هنا
انتباه..انتباه
.........................................الكويت احنا كلنا
يحترق بيت او ينهدم
.........................................احنا هنا انتباه
لو شفنا اخونا يموت
.......................................وامنا تنعدم
احنا هنا..انتباه..


...................الخــالديـهـ


...............فايق عبد الجليل

2

حي اللي قاوم..بالصمود وبالسلاح
.................................................حي اللي ضمد..كل جرح من الجراح

حي الخليج..حي العقل..واهل العقل
.................................................حي العرب اللي اثبتوا قول وفعل

حي التراب اللي رفض كل احتلال
.................................................حي الشباب اللي انتفض باسم النضال..

........................الخــالديــهـ

3

مقدر أخليهم وأعود..
.................................................أمي وأم عيالي..

هم شمس الوجود..
.................................................وعيالي في دمي..

وفي صدري ورود..
.................................................كل المعزة بس لهم..

وفي قربهم كل الوجود..
.................................................وفي بعدهم مالي وجود..

عند الحدود..
.................................................أمي وأم عيالي..

هم شمس الوجود..
.................................................مقدر أخليهم وأعود..

لا يا وطن
.................................................لازم أعود..

أنت المحبة..
.................................................ولك أنا بكل شيء أجود..


.......................الخــالديـهـ

الثلاثاء، ٢ ديسمبر ٢٠٠٨

دمـعة مـالحة لا أعــرف لونـها

بسم الله الرحمن الرحيـــم



ملل و خوف و لهفة و رجاء .... لا أعتقد أنها تجتمع بشخص واحد بنفس الوقت سواي

مللت الانتظار هنا جالساً و خائف من مصيـري القادم و متلهف للقاء و رجائي بأن أشفى

يا للشقاء كم تقتلني الأفكار و تسيطر على مخيلتي الشكوك و لا أملك سوى الانتظار

سألت أمـي كم بقي من الوقت لقد سأمت .. قالت هون عليـك أعتقد أنك التالي

قلت لها لا أطيـق الانتظار !

ثم تنهد رجل على يميـني و قال بني لما كل هذه العجلة الوقت كله لك عليك بالصبر

الصبر مفتاح الفرج يا بني

هون عليـك

قلت له و ما هو الفرج و كيف لمن هو مثلي بأن يتحلى بالصبـر

قال الرجل عجباً لك يا صغيـر أنظر إلي أنا أكلمك الآن و لا أراك

فقط أسمع صوتك و مع ذلك فأنا لست بحزيـن و لا متشائم

أنا رجل أعمـي فقدت بصري منذ أكثـر من عشـر سنين

مع ذلك آنا صابر

تخيل أن أولادي كبروا و أنا لا أعرف هيئتهم الآن جل معرفتي بهم هي تلك الوجوه الناعمة الصغيـرة

الناس بهذه الدنيا درجات و الصابرون من أعظمهم درجة

أخبرني يا عم

أتذكر لون السماء

قال زرقاء جميـله

أتذكر شكل الماء

قال شفافٌ منعش

أتعرف اختلاف الألوان

قال نعم تنوعها يضفي نوعاً من الجمال و تناسقها يريح العين

قلت له

يا عم بكيـت أبي و لم أعرف كيف يكون

بكيـت و ما عرف ما ذا تعني الدموع و ما تكون

أعرف إنها مالحة و لا أعرف لونها

سماء لونها لا يعنيني فما أعرف الألوان

سوى الأسود

و الأسود هو عالمي

فيه نشأت و فيـه ترعرعت

و لم يصاحبني فيه سوى عكازي

يا عم قد رأيت الدنيـا يوماً

أما أنا فلا

أخبرني كيف هو الحجر و كيف النجوم و الشجر

أخبرني كيف تتصدع الجبال و تفيــض الأنهـار و كيف تطيـر الطيور

أخبرني كيف تشرق الشمس و كيف يسقط المطر و كيف تكون السحب

أخبـرني كيـف تتفتح الزهور و كيـف تكون

أخبـرنـي كيــف هي السهول و كيــف يتجمع ماء المـطر

أخبرنـي ما هي الصحراء و كيف يناضل فيـها الجمل

أخبرني كيف أبكي على من فقدت و آنا لم أراه

كيف تريدني أن أتذكره و أنا لا أعرفه

أمن صوته أم من ملمسه

الحزن استوطنني و الوحدة رافقتني

هجرني الناس و لفضتني الحيـاة

وحيــد
فلا أسف و لا صبر

و لا شيء هنا سوى الملل و الخوف و اللهفة و الرجاء

نعم

هنا نادتني الممرضة و نحوها سعيـت بخطىً متثاقلة و عكازي تنير طريقي

و دمعة سقطة من عيني لا أعرف لونها و لكني أعرف أنها مالحة